2020.12.26
السبت
التجارب الدولية الأجنبية والعربية في ضمان الودائع المصرفية

تقع مسؤولية ضمان ودائع صغار المودعين والتي يختلف سقفها من دولة الى أخرى على عاتق مؤسسات ضمان الودائع التي تؤسس بقانون و تعد الولايات المتحدة الامريكية من الدول الأولى المتقدمة التي أسست مؤسسة لضمان الودائع وذلك عام 1934 م ووصل سقف الضمان للمودع الى 100الف دولار بينما جرى تأسيس مؤسسة ضمان الودائع الكندية عام 1967م والبريطانية عام 1979م واليابانية عام 1971م وكانت تركيا اول دولة نامية بادرت الى تأسيس مؤسسة لضمان الودائع وذلك عام 1960م فيما كانت لبنان اول دولة عربية أنشأت مؤسسة لضمان الودائع عام 1967م.

وتكون هذه المؤسسات عادة تحت اشراف السلطات النقدية الحكومية ويكون اشتراك المصارف التجارية في هذه المؤسسات اجباريا في معظم دول العالم. فيما يكون للمودعين حق قانوني بالتعويض. ويشمل ضمان الودائع عادة المؤسسات المصرفية الوطنية والأجنبية وفروعها داخل الدولة بينما لا يشمل ودائع فروع المصارف الوطنية في الدول الأجنبية. كما تضمن مؤسسة الضمان ودائع المقيمين وغير المقيمين. كما لا تحمي مؤسسات الضمان في بعض الدول الودائع بالعملات الأجنبية. كما لا تستهدف مؤسسات ضمان الودائع الربح وانما تعزيز الثقة في القطاع المصرفي وضمان سلامة النظام المالي. خصوصا من قبل شريحة صغار المودعين فتشجعهم على الادخار وبالتالي ادخال مدخراتهم بالدورة الاقتصادية ما يعزز النمو.

ويندرج عدم حماية مؤسسات الضمان ودائع كبار المودعين تحت قناعة تمتعهم بثقافة مالية عالية ومعلومات كافية عن الأوضاع والمراكز المالية للمصارف. وبالتالي مسؤوليتهم عن اختيار المصرف المناسب القادر على حماية ودائعهم بمتابعة تطورات أداء هذا المصرف وأوضاعه. وفي المقابل يؤدي ضمان ودائع كبار المودعين الى عدم اهتمام المصارف بالأنظمة والقواعد والتعليمات التي تحمي أموال المودعين وبالتالي عدم الالتفات الى الاخطار المختلفة.

ويرتفع الحد الأعلى المضمون من الودائع تدريجيا بين فترة وأخرى لمواكبة نمو الدخل القومي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ومستوى التضخم. إضافة الى ان سلامة الأوضاع المالية ومتانتها ووجود رقابة مصرفية كافية وقوية تعتمد أفضل الممارسات العالمية وأفضل معاييرها. تساهم في رفع سقف الضمان

فيما يلي تجارب بعض الدول الأجنبية والعربية :- 

  1. دولة الامارات العربية المتحدة.
  2. دولة الولايات المتحدة الامريكية.

اولاً: دولة الامارات العربية المتحدة :-

اتخذت حكومة الامارات في مبادرة هي الأولى من نوعها في القطاع المصرفي الاماراتي قراراً سيادياً واستراتيجياً في الربع الأخير من سنة 2008م بضمان أموال المودعين جميعاً في المصارف الإماراتية إضافة الى أموال المودعين في فروع المصارف الأجنبية في الامارات بهدف حماية الجهاز المصرفي بعدما نشرت الأزمة المالية العالمية الذعر بين أوساط المودعين في مختلف انحاء العالم. خصوصاً بعد افلاس المصرف الأمريكي العملاق (ليمان براذرز) الذي مضى على تأسيسه قرابة (150) سنة

وكان لهذا القرار تأثير نفسي إيجابي في نفوس المودعين واطمئنانهم الى مدخراتهم في ضل امتلاك الحكومة أكبر صندوق سيادي وبالتالي قدرتهم على دعم القاعدة الرأسمالية للمصارف وتعزيز سيولتها حيث سارعت الحكومة الى ضخ ما قيمته 120 بليون درهم من خلال البنك المركزي ووزارة المالية.

وهذا الدعم الذي قدمته حكومة الامارات مقارنة بناتجها المحلي الإجمالي يعتبر اعلى دعم تقدمه دولة الى قطاعها المصرفي في تلك الفترة وكان الهدف منه تعزيز استمرارية الدور الذي يقوم به هذا القطاع المهم. خصوصاً ان القروض التي قدمتها المصارف في تلك الفترة تجاوزت قيمة الودائع بنسبة 15%. وهذه النسبة رفعت اخطار السيولة لدى معظم المصارف واثرت سلباً في مؤشرات الأمان المصرفي باعتبار ان فترة استحقاق الودائع يتراوح عادة بين قصير الى متوسط الاجل بينما تتراوح فترة استحقاق القروض بين متوسط وطويل الاجل. وهذه الحالة مشابهة لحالة ازمة النمور الأسيوية عام 1994

وخلال الربع الثاني من 2009م تسربت معلومات حول قرب الاعلان رسمياً عن إقرار قانون لضمان الودائع بعد مناقشته واقراره من قبل المجلس الوطني الاتحادي في ظل اهتمام المودعين حول العالم بالقوانين وليس بالقرارات التي تحمي أموالهم اذ لوحظ خلال الربع الأخير من 2008م انسحاب سيولة اجنبية كبيرة قدرتها مصادر كثيرة بنحو 190بليون درهم اعتُبرت في تلك الفترة سيولة ساخنة دخلت البلاد للاستفادة من إشاعة إعادة تقويم الدرهم في مقابل الدولار

وفي ضل مبادرة مجلس إدارة المصرف المركزي الجديد في تقوية الصلاحيات الإشرافية والتنظيمية والرقابية للسلطة النقدية في الامارات يتوقع الإسراع بإنشاء مؤسسة لضمان الودائع موضع اهتمام المجلس ومبادرته.

 

ثانياً: دولة الولايات المتحدة الامريكية :-

 

ظهر اول نظام لضمان الودائع فعال في العالم عام 1933م في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية. من خلال تأسيس الحكومة الامريكية لمؤسسة ضمان الودائع الامريكية (F.I.D.C) ثم قامت عدة ولايات أخرى بأنشاء نظم مماثلة. ومع نهاية القرن التاسع عشر اختفت جميع انظمة ضمان الودائع. وذلك لعدة أسباب

من أهمها :-

  • عدم كفاية رأس مال المصارف.
  •  النقص في السيولة لدى المصارف وافلاس العديد منها.
  • الازمات المالية المتلاحقة خلال فترات قريبة الامر الذي اثر بشكل واضح على قدرة المصارف على الوفاء بالتزاماتها.
  • رداءة المواسم الزراعية لعدة سنوات متتالية.

كل ذلك وضع عبئاً ثقيلاً على أنظمة ضمان الودائع في تلك الفترة. هذا بالإضافة الى عدم وجود مقرض أخير لتلك المصارف يساعدها على تجاوز الازمة او التقليل من حدتها ذلك ان البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لم يكن قد أنشأ بعد وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية كانت اول دولة تنشئ نظام لضمان الودائع على مستوى الولاية الا ان دولة (تشيكوسلوفاكيا) التي قسمت في نهاية القرن الماضي الى دولتين (التشيك –السلوفاك) تعتبر اول دولة أنشأت نظامً متطوراً لحماية الودائع والقروض. فقد انشات تشيكوسلوفاكيا في ذلك الوقت صندوقين أحدهما (صندوق الضمان الخاص) والذي خصص لمساعدة المصارف على استعادة خسائرها الناجمة عن الحرب العالمية الأولى. والأخر (صندوق الضمان العام) والذي يهدف الى تشجيع المواطنين على الادخار في المصارف وذلك بزيادة درجة الحماية والسلامة للودائع المصرفية وبالتالي مساعدة المصارف على النمو والتطور وفي عام 1933م صادق الكونجرس الأمريكي على قانون المصارف الذي يهدف الى معالجة العيوب التي ظهرت على النظام المالي والمصرفي الأمريكي الذي أدى الى فشل الكثير من المصارف خلال فترة الكساد الكبير وبموجب هذا القانون الذي صدر في بداية العام 1934م انشات المؤسسة الفدرالية للتامين على الودائع لتدير نظام التأمين على الودائع لدى المصارف التجارية وبعد مضي فترة في عام 1960م قامت الولايات المتحدة الامريكية بأنشاء صندوق يسمى بصندوق تصفية المصارف الحق في ممارسة بعض مهام المؤسسة الامريكية لضمان الودائع بعد ذلك توالت الدول في انشاء مؤسسات تهدف الى التأمين على الودائع حيث قامت عدد من الدول الاوربية وبعض دول العالم الثالث بأنشاء صناديق لضمان الودائع .

حيث قامت المانيا عام 1974م بأنشاء صندوق خاص لحماية أموال المودعين بعد انهيار مصرف ( هريشتات ) كما أنشأت المملكة المتحدة نظاماً لحماية المودعين عام 1979م وذلك بهدف مواجهة الازمات الاقتصادية الحادة التي مرت بها خلال تلك الفترة و اقامت ايطاليا في 1982م نظاماً لحماية الودائع المصرفية تلتها في ذلك فرنسا عام 1985م عقب انهيار البنك الفرنسي السعودي. قام اتحاد المصارف الفرنسية بأنشاء شركة لضمان الودائع ولم يشترط على المصارف دفع مبلغ مساهمة بل يتم تعويض مودعين المصرف المفلس من خلال بقية المصارف.

اما في العالم العربي فتعتبر لبنان اول دولة عربية اهتمت بأنشاء نظام لحماية المودعين وذلك حيث أنشأت المؤسسة الوطنية لضمان الودائع المصرفية وذلك في عام 1967م بعد اعلان افلاس مصرف (انترا) الذي اسسه السيد (يوسف بيدس). ثم حذت حذوها فيما بعد بعض من الدول العربية حيث أنشأت دولة البحرين مجلساً لحماية الودائع وذلك عام 1993م تلتها السودان عام 1996م لمواجهة افلاس مصرف الاعتماد ثم الأردن بأنشاء مؤسسة لضمان الودائع ذلك عام 2002م لمواجهة ازمة افلاس مصرف البتراء وفي العراق اقر البنك المركزي عام 2008م انشاء شركة مختلطة لضمان الودائع ورأت النور عام 2020م كما ان الجزائر تبنت هذا النظام من خلال بناء إدارة تتبع البنك المركزي تعمل على حماية أموال المودعين وفي الكويت انشأ صندوق لضمان الودائع ابان الاجتياح العراقي لها وكان الهدف منه مواجهة تلك الازمة تحديداً. ومما تجدر الإشارة اليه ان الازمة المالية العالمية التي مر بها العالم مؤخراً وتوابعها والدور الذي لعبته صناديق ضمان أموال المودعين في الحد من اثارها جعلت العديد من الدول تفكر جدياً في أنشأ صناديق لضمان أموال المودعين وهو ما حدي بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التوصية على ضرورة انشاء هذه الصناديق لحماية اقتصاداتها وانظمتها المصرفية والمالية من أية أزمات قد تواجهها ليبلغ عددها (158) شركة.